الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية نزلاء من سجن المرناقية يروون لأخبار الجمهورية حكــايــات قــادتـهــم الـى ما خـلـف القضـبــان

نشر في  13 أفريل 2016  (12:54)

تتنوع الحكايات والقصص داخل السجون التونسية، نزلاء قادتهم ظروف معيّنة أو اخطاء وهفوات ارتكبوها الى ما وراء القضبان وسلبت حريتهم، وحين تتوجه بسؤال واحد لأغلب المساجين حول الأسباب الحقيقية لوصولهم الى هذا المكان تجد اجابات متقاربة في مجملها، فهذا يؤكد أنه مظلوم وآخر يرمي اللوم على قرناء السوء والفساد، وثالث يحدثك عن التغرير به وخداعه ورابع يعترف بما ارتكبت يداه ويعبر عن ندمه.. وأن سنوات السجن كانت كفيلة لمنحه درسا سيرافقه طيلة حياته، وهناك فئة اخرى ترى أن جريمتها في محلها وترفض حتى مجرد الاعتراف أو التراجع ...
داخل غرف السجن وبين جدران الزنزانات تنسج قصص ممزوجة بالقهر واليأس لمساجين اختلفت جرائمهم واتفقوا حول حلم واحد وهو معانقة الحرية، والتخلص من الألم والحرمان وملاقاة عزيز على القلب، يطمحون الى نسيان رتابة الغرف ووحشتها، تنظيف المراحيض وبعض الحشرات التي سكنت ملابسهم وأجسادهم، أمل بحرية مؤجلة .. حرية لا يعرف معناها إلا من جرب ألم القبوع خلف قضبان حديدية تقتله الساعات المتباطئة وكأنها متآمرة عليه.
قصص متنوعة، ومعاناة كبيرة، ومساجين وقعوا في المحظور سواء بارادتهم أو غصبا عنهم، لكن ورغم ذلك فإن خلف القضبان تبدأ حياة أخرى ومجتمع آخر، يخضع لتنظيم معقد وصارم...

بعد الانتهاء من جولتنا التي انطلقت وروينا تفاصيلها  في العدد السابق من أخبار الجمهورية داخل أروقة ومجمعات وغرف سجن المرناقية، ارتأينا الالتقاء ببعض السجناء، والتحدث اليهم ومعرفة تهمهم وكيف يفكرون وهل ندموا على جرائهم، ومعرفة حقائق ما يحدث داخل الزنزانات، وفي مكتبة السجن كان اللقاء الذي نظمه لنا السيد منير بن نصير رئيس الادارة الفرعية للرعاية والاصلاح بسجن المرناقية.. دخلوا الواحد تلو الآخر ليرووا على مسامعنا قصصهم...  
في هذه الورقة نسافر بكم إلى عالم الزنزانات ونسرد عليكم حكايات سجناء كما جاءت على ألسنتهم ..


21 سنة وراء القضبان: «نسيت تونس»

رغبة جامحة في طيّ صفحة الماضي، حنين لمعانقة الحرية، مشاعر ممزوجة بين الندم، وتوق للقاء الأهل والاحبة  بعد 21 سنة من الفراق.. سنوات  ارتسمت معالمها على تجاعيد وجهه وهزال جسده ..
بملابسه الرياضية وجسده النحيل، يلقي التحية ويسحب الكرسي ويجلس قبالتنا، ويشرع في سرد قصته في استرسال غريب، حاولنا جاهدين معرفة شعوره من خلال ملامح وجهه، لكننا عجزنا عن ذلك، وربما يعود ذلك لكون «عثمان م»، لم يعد يشعر بتفاصيل قصته فقد رواها على مسامع آلاف المساجين قبل أن يجالسنا، قصة تناقلت فصولها جدران سجون تونسية مختلفة من سجن الناظور الى صفاقس والمسعدين واخر جولاته كانت بسجن المرناقية الذي دخله سنة 2008 الى غاية اليوم ومن المنتظر ان يقضي فيه السنوات الثلاث المتبقية من العقوبة، فقد حكم عليه بالسجن مدة 24 سنة، واما التهمة فهي القتل المتعمد...
حكاية عثمان حكاية طويلة مع المعاناة والمرارة والصراع مع الحياة، حيث كانت السنوات ال21 التي قضاها محروما من نعمة الحرية كفيلة بأن تجعله يندم على ما ارتكبت يداه يوم 16 فيفري سنة 1995، حين اقدم وفي لحظة تهور على قتل شاب تجرأ على مغازلة شقيقته ..
«العفو» كلمة ترددت أكثر من مرة على لسان عثمان بل وسيطرت على حوارنا معه، مؤكدا أن كل ما يتمناه اليوم هو التغاضي عن 3 سنوات وتركه يكمل بقية حياته في أحضان عائلته التي لم تزره منذ قرابة 4 اشهر، حيث أثقلت كاهلها مصاريف القفة وتكبد عناء الطريق طيلة 21 سنة..
ويواصل عثمان سرد قصته بكون حياته روتينة لا جديد فيها يقوم صباحا يخضع كبقية زملائه للعدّ ويخرج للفسحة باللارية وهكذا تتالى أيامه بكل رتابة، ولعل الأحاديث الجانبية مع زملائه في الغرفة أو الجناح، هي المواساة الفعلية التي يقضي بها أوقات فراغه ..
سألناه عن الثورة التونسية وماذا يعرف عنها وهو الذي لم يعش اطوارها، فأكد أنه لم يعش هذه الثورة ولا يعرف عنها شيئا، وبأنه استمع سنة 2011 الى خطاب بن علي الذي قال فيه «فهمتكم»، مضيفا أنه لم يفهم انذاك ما يحصل خارج اسوار السجن الى أن أعلنت قناة حنبعل عن الفوضى التي تعيشها السجون وحالات الفرار والحرق فعلم أنها ثورة وأن بن علي غادر البلاد ..
«سمعت انو العيشة غلات وان سوم اللحم البقري ولّى ب24 دينار» بهذه الجملة حدثنا عثمان عن آخر المستجدات التي يعرفها عن تونس، مضيفا ان كل سجين جديد يروي على مسامعهم بعض تفاصيل الحياة اليومية في تونس بعد الثورة، كما أكد أن السياسة لا تعنيه ولا يهتم بما يمرر في القنوات التلفزية ..
سألناه بفضول عن مدى معرفته بالتكنولوجيا وان كان يعرف الفايس بوك مثلا، فوجدناه ينظر الينا  باستغراب ويقول :»الفايس بوك؟.. لا لا أعرفه.. حدثني عنه بعض المساجين لكن بطبيعة الحال أنا لا أعرف هذه التكنولوجيا ولا الهدف منها.. هل نسيتم اني مسجون منذ 21 سنة؟ أنا لا أعرف الهاتف الجوال ولا ما لحقه من تكنولوجيات ولا اتوقع أني سأعرف تونس وشوارعها وأنهجها بعد مغادرتي السجن»..

«نحن طواغيت»

في حديثنا مع عثمان تطرقنا الى واقع السجون اليوم فأجابنا بأنه لم يتغير شيء بالسجون التونسية باستثناء حالة الاكتظاظ التي باتت تعاني منها الغرف السجنية وانعدام الأسرّة واضطرار المساجين الى النوم جنبا الى جنب على أسرة صغيرة، مضيفا انه لا يوجد اليوم تمييز بين السجناء كما في السابق ..
وذكر عثمان انه يوجد بالغرفة التي ينتمي اليها قرابة 24 عنصرا ارهابيا، مضيفا ان هؤلاء العناصر يحاولون بشتى الطرق التأثير في بقية المساجين واستقطابهم وأنهم يعتمدون في كلامهم على القرآن والأحاديث، مشيرا الى أن بعض السجناء تأثروا بهم لكن وبمجرد التفطن لأمرهم تم توزيعهم على مختلف الغرف السجنية، واستدرك بقوله ان هذه الفئة لا تجد عادة الترحاب من بقية المساجين، خاصة أنهم يعمدون الى اجبارهم على الصلاة، ومن لا يصلي من السجناء يتم نعته بـ«الطاغوت»، وذكر عثمان أن هذه الفئة من المساجين تعمد الى تكفير كل من يختلف معهم في الرأي..
قبل ان يتركنا ويغادر مكتبة السجن ارانا عثمان يده المنتفخة ورجانا أن نوصل صوته من أجل تمتيعه بالحرية بعد 21 سنة وراء القضبان مؤكدا ندمه ورغبته في لقاء أهله والتمتع بما بقي من سنوات عمره ..

«توحشت صغاري»

أما قصة عبد القادر فتبدو مختلفة عن سابقتها، ورغم كون هذا الأخير لم يقض إلا سنة و10 اشهر في السجن، إلا أنها مرت عليه كالدهر ..
هي ليست المرة الأولى التي يجد فيها عبد القادر نفسه في زنزانات سجن المرناقية، حيث سبق له وان وطأها بتهم مختلفة عن التي سجن من اجلها هذه المرة ففي المرات السابقة سجن من أجل تبادل العنف وبيع الخمر، اما هذه المرّة فقد القي القبض عليه بتهمة امتلاك الزطلة بنيّة الاتجار ..
عبد القادر بدا متفائلا قليلا لأنه سيمثل أمام القضاء قريبا ومن المنتظر أن يتم الافراج عنه بعد أن قضى سنة و10 اشهر في الايقاف أي ما يعادل الحكم الذي من المتوقع أن يصدر في حقه ..
عن حياته وراء القضبان يؤكد أنها روتينة ولا جديد فيها مستدركا بقوله ان الاكتظاظ ووجود بعض السجناء بتهم ذات صبغة ارهابية نغصا عليهم حياتهم، حيث يعمدون الى تجريحهم ونعتهم ب»أعداء الله» على حدّ تعبيره ..مضيفا أن أحدهم قال له حرفيا «أنا جاي للحبس على خاطر الصلاة والاسلام وانت على خاطر الزطلة»، وذكر أنه لا يعير كلامهم أدنى اهتمام وهو الأمر ذاته بالنسبة الى بقية المساجين، كما أخبرنا أنه لاحظ في أكثر من مناسبة أنهم يختلفون فيما بينهم وأن أفكارهم ليست متشابهة ..
وحدثنا عبد القادر عن لوعته جراء فقدان ابنته وابنه، مشيرا الى ان الحرية بالنسبة اليه تعني لقاء فلذات أكباده، وذكر انه يعمد الى مطالعة الجرائد يوميا والانشغال بالالعاب الفكرية ومشاهدة القنوات لأن يوم السجين طويل جدا حسب تعبيره..

استهلك الزطلة في ايطاليا وقبض عليه في تونس

تركنا عبد القادر وشيء بداخلنا يخبرنا أن جزءا مما حدثنا به، ورفضه الدخول في تفاصيل حياته اليومية هو مجرد كلام مملى ومفروض عليه من أجل اخبارنا به، فكرة نفاها بشدة السيد منير بن نصير رئيس الادارة الفرعية للرعاية والاصلاح بسجن المرناقية، بمجرد طرحها عليه ..
ونحن نناقش هذه الفكرة التي سيطرت علينا للحظات، دفع باب المكتبة «محمد علي ع» .. شاب في مقتبل العمر، بهندام نظيف وملامح لا توحي بكونه مجرما، جلس حيث أشرنا اليه، وأخبرنا أن قضيته مضحكة نوعا ما، حيث ذكر أنه يقبع بسجن المرناقية في حالة ايقاف منذ سنة و11 شهرا بتهمة استهلاك «الزطلة»، ولئن لم ينف محمد علي استهلاكه لهذه المادة، وانه استهلكها فعلا، الا انه أفادنا انه استهلكها في ايطاليا وليس في تونس، وشاءت الصدف ان يتم القبض على صديقه بعد 4 أيام فقط من وصوله الى تراب الوطن ومن وسوء حظه أنه كان برفقة هذا الصديق أثناء القبض عليه، وباخضاعه الى التحليل تم القاء القبض عليه بتهمة الاستهلاك..
محمد علي عبر عن استغرابه من الاحتفاظ به كل هذه الفترة بالسجن دون تعيين جلسة والحال أنّ عقوبة الاستهلاك هي سنة واحدة في حين قارب هو على قضاء العامين بالسجن، مشيرا الى أنه سيمثل خلال هذه الأيام أمام القضاء ..
ولم يخف محمد علي حزنه فقد تحطمت كل أحلامه بدخوله السجن، حيث طالما تمنى ان تتحسن ظروفه الاجتماعية خاصة بعد ان تمكن من السفر الى ايطاليا وتسوية وضعيته القانونية هناك، لكن اليوم وبعد قضائه قرابة العامين بالسجن أحس أن مستقبله وكل ما بناه قد تحطم ..
وفي مجرى حديثنا اكد ان الخدمات السجنية تزداد سوءا كلما زاد عدد المساجين، حيث يعاني السجن وحسب كلامه من حالة اكتظاظ رهيبة، مبينا ان الغرفة التي ينزل فيها تحتوي على 60 سريرا لكنها تؤوي قرابة ال85 سجينا ، وأن كل 3 مساجين ينامون بسريرين فقط، كما ذكر ان هذه الغرفة تضم حاليا 18  عنصرا ارهابيا مشيرا الى أنها ليست من القيادات لكنها تحاول التأثير على بقية مساجين الحق العام، ومن الطرائف التي حدثنا عنها محمد علي أن مساجين الحق العام يعمدون أحيانا الى خداع هذه الفئة من المساجين حيث يؤكدون لهم انهم في صفهم لا لشيء سوى للتمتع بوجبات اضافية من الأكل ..
كما أخبرنا أن المساجين المتعلقة بهم قضايا ارهابية يرفضون مشاهدة التلفاز معهم وخاصة المسلسلات أو البرامج التي تقدمها النساء بتعلة أنها متبرجة، كما أنهم يوبخون كل سجين تخول له نفسه سبّ الجلالة أو التفوه بكلام بذيء، أما بخصوص أداء الفرائض الدينية فأفادنا أن كل سجينين يصليان معا، وأن صلاة الجماعة ممنوعة وذلك خوفا من «كبران» الغرفة.

تحقيق من إعداد: سناء الماجري